دموع المعلمات عبدالعزيز السليم كأني بها أول من يصحو قبيل الفجر بعد أن كانت آخر من آوى إلى فراشها .. تتثاءب وتغالب النعاس وتتناوشها الهموم من كل جانب والعالم من حولها يغط في سبات عميق .. عميق .. فقد تكون الرحلة طويلة وشاقة خلال الطرق المظلمة الوعرة ، ووسيلة النقل المضعضعة فرصة لتداول الهموم والنكد وسيحان المساحيق من وراء حجاب شُد عن ذئاب تعوي وكلاب تنبح .. وتلك الهموم مهزلة نفس إزاء فلذات الأكباد الذين يتناهى مواؤهم إلى مسمعها يتخلله قرقعة الحصى المتناثر جراء دواليب الباص أو شخير مجاور لمقعدها ممن وجدت في المسافة فرصة للراحة من فكي كماشة .. عمل البيت وعمل المدرسة .. وبعد الوصول تبدأ الهموم بدوام مضبوط بالدقيقة والثانية عن جميع المؤسسات الحكومية بما فيها الخطوط الجوية العربية السعودية ، فالجرس المقدس يدق بتفانٍ عجيب عجز عنه حتى المؤذنون مضرب المثل في الدقة والحذق والانضباط . لكن الجرس المقدس الذي يلقي بها في غرف غير مرغوب فيها هو نفسه المنقذ من الحلقة التي كادت أن تستحكم حلقاتها فيصدع الجرس : فرجت ! فتهتف المعلمة بغبطة : وكنت أظنها لاتفرج ! ثم تنجرف في ماكينة العمل فتبتلعها في دوامتها فتلفظها بعد الحصة السابعة كالخلق البالي .. وما أطيب العمل ورواحه عند ذكر الأطفال الذين تصدر ذكراهم في الرحلة الشعثاء كالموتى زغب الحواصل لا ماء يروي ولا شجر يعطف غير حنان الخادمة -إن وجدت- وهو الحنان الصناعي الذي لا يروي غلة ولا يشبع جوعا ، فيبقى البيت كالمركب الذي فقد ربانه لا يدري في أي اتجاه يسير .. |