الموضوع: الـدَّغْـل
عرض مشاركة واحدة
#1 (permalink)  
قديم 30-03-2008, 12:48 AM
عبدالجواد خفاجى
عضو مجالس الرويضة
عبدالجواد خفاجى غير متواجد حالياً
لوني المفضل Cadetblue
 رقم العضوية : 2201
 تاريخ التسجيل : 24-01-2008
 فترة الأقامة : 6182 يوم
 أخر زيارة : 31-08-2008 (01:51 AM)
 العمر : 66
 المشاركات : 10 [ + ]
 التقييم : 100
 معدل التقييم : عبدالجواد خفاجى مجتهد عبدالجواد خفاجى مجتهد
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي الـدَّغْـل




قصـــة قصـــــــيرة
عبد الجواد خفاجى


الـدَّغل


[overline]الدَّغل[/overline] لا ينتهي ، والطريق طويلٌ طويل .. مُلـفَّح بأنفاسٍ حرشاء، ومرشق بالبصبصات، وهى ....

وحدها تسير فى هَذِي الطريق


مُشَّرعة كسيسبانة تعتنق المسير ، ممشوقة على وجه هذا الدغل .. والنهر عن يمينها يغازلها بلفحة باردة تمرق حيناً من بين أعشاب الحلفاء التى تضاجع الشاطئين، وحيناً من بين الأشجار التى طمس الليل خضرتها ، وتركها كأشباح شاخصة تعتنق الصمود .
يستحم الدغل فى ظلامه بالصقيع .. والتلصص وحده سيد هذا الحراش، والبنت وحدها تسير ميممة وجهها للظلام .. وقع خطوها : تك .. تك .. تك . يضاجع الهسيس والحفيف والنقيق، و.... ولم تكن نجوم السماء وحدها تبص . الصياد أيضاً فى مكمنه بَصَّ .. ترك مجدافى قاربه، والشِّباك، والقارب الذى هو فى جوفه تركه يرعى ، تهدهده الأمواج كيفما تشاء النسمة الفائتة ... والنسمة الفائتة حملت معها رأس الصياد، تـنـثـنى إذ تـنـثـنى الطريق ، تمشى مع خطوات البنت : ترك .. ترك .. تـ .. يترقرق القارب .. ينزلق كيفما تدفعه الأمواج المتكاسلة فوق نجوم السماء التى ترقد على صفحة النهر والقارب خالٍ تماماً إلا من " البطانية ".
والبنت وحدها فى هذا الصمت والظلام والصقيع .. هل يترك القارب ويخرج للطريق؟. كحَّ ..كحَّ .. تنحنح .. لم تعبأ البنت ..ربما لم يصل إلى أذنيها شيء .. طاخ .. طاخ .. ضرب وجه الماء بعصاته الطويلة والبنت لم تبص .. لم تتوقف .. لم ... أكواخ الصيادين ترسل ضوء مشاعلها وبعض الهمهمات التى تختلط بالصرير والنقيق والعواء . ولم تهدأ نفس الصياد ...الجو صقيع والبنت وحدها والبطانية فى القارب : ـ يا بنت ... يا ... مسك بمجدافيه ، وألقى بأطراف الشباك العالقة بالقارب .. تركها ترعى فى الماء وجدَّف ــ آه لو تأتى .. آه لو تنظر لليمين !!.
ولم يكن الصياد وحده يرصد البنت ــ الذئب الذى يرصد الصياد فى عرض النهر لما سمع خطوها التفت .. شرَّع ذيله وأذنيه، وأعطى جنبه للنهر، ثم غز المسير بين الطريق والنهر فى المسافة المسكونة بالحشيش .. والذئب سيِّد الحشيش .. يَمْرُس الضفادع والجراد النائم والسحالى الكامشة ويرمح : تشك .. تشك .. تشك ، ويلهث: ها ها ها .. والبنت لا تنـتبه .. تعوى الذئاب البعيدة ..الثعالب تموء .. الضفادع تنق .. الشجر يحف أحياناً .. المساحات كلها معبأة بالهسيس، والذئب وحده صامت إلا من اللهاث .. سيلحق بها .. يخرج من الحشيش .. وقفزة واحدة إلى مؤخرتها .. يهبرها .. تفزع البنت .. يطوقها من الخلف .. يتسلقها .. ينشب أظافره فى جسدها .. يغرس أنيابه فى خدها .. تقع .. يبرك فوقها و... فى صمت يترك ما شاء ويأكل ما يشاء و.... ها .. ها .. ها .. لهات لا ينقطع .. والبنت تسير .
الذئب ـ فى لحظة نادرة كان سيغادر فيها الحشائش ويقفز ـ أدرك شيأ متحركا زاول عينيه .. توقف للحظة .. شَرَّع ذيله وأذنيه .. لمحه على جانب الطريق الشمال : كان فى كوخه يود لو ينام والقنديل على وشك أن يمتص زيته .. لحظة واحدة بينه وبين الظلام .. لكنها أعادت صحوته .
لما نبح الكلب ، نظر من خصاص الباب .. رآها وحدها تسير .. ثوبا نسائيا أسود ..ضوء قنديله الهزيل كشف له عن جسد أنثوي ممشوق داخل هذا الثوب .. اهتزاز ردفيها لما رصدها من الخلف حرك شهوته .. خصاص الباب لم يشبعه .. فتحه .. صرَّ الباب: صررر ..صررر .. لم تنتبه البنت .. خرج لدفءٍ آخر جديد .. بعد قليل سيعود ومعه البنت .. يضع الزيت فى القنديل، ويشعل الموقد .. يشرب هو والبنت الجنزبيل .. رشفة من الجنزبيل ورشفة من شفتيها .. والكوخ صغير .. محكم .. لما يفعفع الدفء فيه تخلع البنت الثوب الأسود ، وتخش فى عباءته .. نعم .. فى حضنى .. تحكى لى عن كل شيء من طقطق إلى " سلام عليكم " .. إيه اللى مشَّاها فى الليل . وإيه اللى خلاها تشرد .. هى مهرة شاردة ولا بنت هَمّ ؟ .. الكوخ من غير وليف قبر .. وأنا .. وحشنى الدفا النسوانى .. البنت يمكن تِفْضَل على طول معاى . أديها وتدينى .. وأبوس لحمها كل يوم . وأحضنها جواى .. المهرة لو شاردة أنا ألجمها .. والسر فى البير .. بلعها الدغل .. أكلتها الديابة .. وقعت فى النهر .. غرقت . بس لو ترضى .. أنا هأرمى عليها الستر طول العمر . لو بنت هَمّ الهم أنا أشيله .. أديها اللى مش لقياه .. نـتفة أمان .. كتف راجل ترمى عليه الحمول .. وشوية رضا .. أنا والبنت .. ها ندى بعض .. واحنا الاتنين هانِّدى الخص .. الخص لما البنت تخلع فيه يسحر .. على نور الفانوس يلمع لحمها الأبيض ويشيع فى الخص النَّفَس الحريمي ، والدفا .. ونأكل لقمة طرية .. وأنا .. وأنا اللى طول عمرى عايش وحيد .. البنت من دول تخش الخص ساعة .. تدى ريق حلو .. أشوف الدنيا حلوه .. ساعة وتغيب .. تاخد طعم الحياة وتروح .. أدور على غيرها .. أدور .. أدور .. وفين لما .. البنت دى مش ها تطلع .. دى آخر بنت ـ إن شاء الله ـ ها تدخل الخص ، ومش رايحة تطلع تاني .. مش هأفرط فيها مهما يكون ".
و" الرِّجل تدب مطرح ما تحب " .. ودبت رِجل الرَّجل خارج الخص .. يسير فى الجهة اليسرى من الطريق .. يخشى لو يسير وسط الطريق و..تبص البنت وراءها .. تفزع .. تصرخ .. تستغيث .. ينشق الظلام تفتح الأكواخ والعشش أبوابها .. تنشق الأرض وتنطلق الشهامة .. ألف شهم وشهم : ــ الرجل الهلس خطف البنت .. جايبها فى عز الليل و... البنية من فين؟ .. الكلب دا عمل لك حاجة؟ .. كان عاوز يعمل لك آيه؟ سليمة ولاّ .. فيكِ حاجة؟! الحمدلله .. جات سليمة .. كتِّفوه .. ابن الكلب لحد الصبح .. الصباح رباح .. وتعالى يا شابة ، وياخدوا البنت مني !!.
والبنت باين عليها حلوة والعين تطمع في الحلو .. وأنا صياد وحوش .. وصياد الوحوش لازم يكون وحش .. والوحش هو اللى ياكل الغزالة من غير فضايح.
الذئب عندما جفل .. نظر إلى البنت نظرة استئذان .. ونظرة أخرى إلى " ابن الكلب " الذى يرصدها من الخلف .. والقلق عند الذئب زاد والهم أصبح همين .. والجوع للحم البنت وحده همّ .
والقلق عند " ابن الكلب " أيضا زاد . مرة يُجذِّف برجليه يمينا ومرة يجذِّف شمالاً .. مرة يسرع ومرة يتنطع .. ومرة يحط يده فى وسطه وكأنه سيسحب سلاحاً .. والهم عندالذئب زاد .. الذئب حيران : " أنا لازم أ وألف شهم وشهم عمل حاجة .. قبل ما ابن الكلب يحس بوجودى ويسحب سلاحه " .. والهم عند الذئب ــ فجأة ــ بقي وألف شهم وشهم ثلاثة هموم .. والهم الثالث كان لما نبح الكلب الذى يمشى وراء ابن الكلب صياد الوحوش !
ـ آه .. كلب؟! قبل ما أخلص من ابن الكلب طلع لى عفريته !! طيب ياسي كلب .. إن كنت إنت شمام ونبَّاح أنا فطَّاط ونطَّاط .. آه .. يا اين الحلوف .. شميتنى وأنا جو الحلفا .. نبحت .. نبهت صاحبك؟؟ .. وانتبه؟! .. خليه ينفعك ..شميتنى ياسي كلب .. ياوفي ! .. نسيت إنك بتقايض الوفاء بلقمة يابسة .. يا مُخْلِص .. يا حارس .. يا أمين .. يا أبوالصفات الجميلة كلها .. طظ فيك .. مخلص؟! .. للبشر؟! .. لبني آدم؟! .. ياخي هاع ! .. بص .. شوف صاحبك مشغول بهَمّ قُدَّامة .. مشغول بلحم بنت بيرعص قدَّامة .. ونسيك .. انبح مهما تنبح مش هايبص لك .. لحم البنت جو توبه الأسود نسَّاه الخطر ! .. أنا وحدى اللي هأقبض روحك ـــ بأذن الله ــ وإن كنت إنت شمَّام ونبَّاح .. أنا فطَّاط ونطَّاط .. وليلتك سودا زى توب البنت اللى ماشية هناك دي .
وكان على الذئب أن يتخلص من الكلب وابن الكلب معاً .. وفى لحظة فاصلة بين الرغبة والتردد قفز الذئب من الغرب إلى الشرق .. لم ينـتبه صياد الوحوش المأخوذ برغبة تشده من الأمام إلى حيث يتحرك لحم البنت التي تجتاز الظلام بجراءتها وتسير كما لو كانت مشقاً من سرٍّ بهيٍّ يربطه بالجنة التى هى الخصُّ بعد أن تدخل فيه الحورية وتضئ قنديله الوحيد . وكان الخص هو الرغبة الأخرى التى تشده من الخلف .. دفئه المفقود فى هذا الصقيع .. بصيصه المتلصص بجوار الطريق .. طاقته الهادئة المفتوحة دوماً .. هدوؤه المنسرب إلى هدوء هذا الكون المتلفع بأسراره .. الكون الجميل .. الرائع الذى ولد هذه البنت التى تشده من الأمام .. أهو القنديل الآن تراه يدغش فى الظلام دغله،أم تراه انطفى؟.. يا ترى هأعود وتعود معي الحورية ؟ تحط الزيت فى الفانوس .. وتهتك ستر الضلمة .. ونهتك أنا وهى بعضنا .. يا ريت ارجع بيها وتخش جو صدري وتلعب .. وتسمع لأسراره .. صدري اللى ياما انفرد على صدور نسوان ما بتبوحش .. أنا .. الليلة هأدخل السر الغويط .. هأخش فى صدرها وأغوص .. وأغووووص ....
وغاص الكلب فجأة فى ترعة محازية للطريق من الشرق .. المسكين ـ لما قفز إليه الذئب كالقضاء المستعجل المفاجئ واستلقى فوق ظهره ـ بَرَك .. لف جسده سريعاً .. رفس برجليه .. لف جسده ثانية .. لكنما الترعة هى التى استلقفته فى اللحظة التى كان الذئب قد غرس فيها أنيابه في تلابيبه، وظل المسكين معلقاً من رقبته بين فكيِّ الذئب والماء الراكد فى جوف الترعة .. حاول أن يتخلص .. رفس برجليه فى الوحل عدة رفسات متتالية.. ضرب الهواء بذيله وأرجله .. ضربة ضربتان ..ثلاث .. لكنما النَّفَس .. المشكلة كانت فى النَّفس المنحبس . . لا هو داخل ولا هو خارج .. ماذا يفعل المسكين ؟ حاول .. ولكن حلاوة الروح ـ التى تود الخروج ـ جعلته يندفع كصخرة هاوية تاركا حلقومه وما حوله من أمشاج فى فم الذئب مندفعا إلى هوة جديدة قارسة .. و.. طاااش .. طشة واحدة وابتلعته الترعة .
هل يتركه الذئب ويغز المسير إلى ابن الكلب الذى يتابع اللهاث وراء البنت ؟!.. أيخلع .. حلقومه هو الاخر و..ينط فوق الطريق ..يحبس نفساً عميقاً فى جوفه ويقلع إلى أعلى .. يضرب الهواء بأرجله وذيله ، ضربتان ..ثلاث ـ ثم ينزل كالقضاء المستعجل فجأة فوق أرداف البنت يطوقها من الخلف .. فى لحظة يمزق العائق الأسود الذى يصر اللحم .. ثم يُدْخِل رأسه كلها .. كلها فى اللحم ..يهبر ويلعق ويتوغل و.. والبنت مستمرة فى المسير ، وهو متشبث بها من الخلف ،وذيله يكر وراءه على تراب الطريق إلى أن يأكلها تماما من الخلف .. والبنت مستمرة فى المسير .. يستدير إلى الأمام ..تطوقة هى بذراعيها ..يأكلها من الأمام ..تستعذب هى الأكل .. تسلمه نهديها .. يأكل .. يلعق ويتوغل و.. حتى يحولها تماما إلى عظام .. تتكوم .. يسحبها إلى أعشاب الحلفا .. يخرأ عليها وينطلق عائدا إلى "ابن الكلب الثانى" / صياد السمك الذى يحتمى بقاربه فى جوف النهر مستأثرا ـ وحده ـ بالقراميط .
كل شئ كان يمكن أن يتحقق .. وكل شئ عند الذئب جائز .. ممكن .. أكيد .. لولا أنه ـ ما أن يمم وجهه جنوباً واستنشق أول نسمة فائتة آتية لتوها معبأة برائحة لحم البنت ـ اكتشف وهو يصرُّ على أسنانه ويشحذ كل ملكاته انـتشاء جميلاً ممزوجا بألمٍ ما .. يخفت أجيج شهوته رويداً ، ويتصاعد الألم .. فى لحظة ما برج به الألم .. عقص ذيله وارتاح عليه .. رفع رجليه الأماميتين .. نصب جسده لأعلى .. نظر إلى أسفل .. سيال من الدماء كان بين فخذيه ــ لقد أخذ الكلب بثأره !!.. أنا .. البطل .. قاهر الليل وكل الكلاب المستوحشة .. أنا . يفزر هذا الكلب قربتي ؟! .. هذا الجبان يمزق صفن خصيتيّ ؟! .. هى رمية بغير رامٍ إذن !!
لقد انغرست أظافر رِّجل الكلب فى الحظة التى حاول فيها ان ينقلب وهو تحت الذئب .. بدون قصد صادفت الرِّجل صفن الذئب .. انغرست الأظافر الحادة فيها .. حبس الكلب نفسه .. استجمع فى لحظة حرجه قوته دفع الصفن للخلف .. استغل قوة الارتكاز على محور خصيتى الذئب و.. هوب .. كان رد الفعل أن انقلب .. صحيح ان الترعة كالنهر كالبحر غدارة ، وصحيح أنها غدرت بالكلب واستلقفته ، لكن الصحيح أيضا أن كيس الخصيتين تمزق .. والكلب أخذ بثأره دون قصد ، فمن يدخل الآن خصيتى فى الصفن .. من يوقف النزف؟.. انا أبو الديابة يموتنى كلب؟!.. كلب ابن كلب شغال حراسة عند بني الآدميين من أجل لقمة ناشفة يرموها له تحت الحائط؟!.. لازم أغوص فى هذه الترعة كي أمثَّـل بجثته .. لازم ، ولابد .. وهيلا هووب .. طاااش .. غاص الذئب فى الترعة !.. كانت بعض الطرطشات لكنما الحركة هدأت بعدها .
والدار لما تخشها البنت تحولها إلى جنة .. ترشرش الميه على أرضيتها وتكنس .. تتمشى عليها مشية غزلاني .. تهمد الأرض .. التراب ينام .. تستحم البنت وترش ميه الحموم على أرض السقيفة .. وتفوح فى الدار ريحة حريم .. وأخش .. أفتح الباب لوحدى .. أدخل .. تولع البنت الكانون .. تحط حلة الميه على النار وتحط لقمة لأبي القراميط .. آكلها وأشرب زجاجة " الكينا " .. أحدف الفاضي فى أي ركن واصحى .. وأنا سكران أصحى .. أشيل البنت بين أديا .. ألف بيها الدار وأدخل بيها الغرفة الجوانية الهمدانة الساكتة وعلى نور اللمبة اللى منوراها البنت من أول الليل أعمل اللى ما تعملش .. هافضل طول عمرى خافي سرها .. هاخفيها فى الدار القبلية اللى ما حدش دخلها من يوم موت المرحومة أمي .. هاقفل عليها بقفلين .. واحط المفاتيح فى جيبي .. ها خفيها .. أخش أنا وبس .. كل ليلة أعمل اللى ما تعملش لحد الصبح . البنت دى باين عليها هتعمر البيت .. وأنا .. صياد .. هأهنيها سمك .. وعيش ، وفجل ، وصابون بريحة و.. هتربى لها قطة تونِّسها .. وتزرع ف صحن الدار شجرة ترمي ضلها على بوص السقف .. وأعيش .. البنت دى مش زى أي بنت .. دي أحسن من أيتها واحدة ممكن أتجوزها على عيوشة .. عيوشة مراتي اللى شاخت ودابت .. وهتدوبنى معاها .. السر اللى ف البنت دي بعشر حريم .. وباين على خطوتها إنها شابة واكيد بيضه .. جسمها فارع .. فرسه .. وأنا الخيَّال .. وأنا الليل بأحبه وأحب اللي حبوه ومشوا فيه .. طول عمره المرحوم أبويا كان يقول : ناس رزقها فى النور وناس رزقها فى الضلمة .. واحلى ما فى الرزق الحريم ، وأنا رزقى جاني .. أسيبه يفلت ؟! .. الحكاية دى لازم تتم قبل طلوع الفجر .. الليل له عازه .. وأنا الليل بحبه، وبأحب اللي حبوه ومشوا فيه و...
لما تعبت زراعا صياد السمك من التجديف، حضَّن بقاربه على الشط .. طاطأ بجسده .. أدخل يده تحت البطانية .. فتش .. فتش .. سحب المسدس .. حطه داخل جرابه الجلد .. حزم نفسه بحزامه الجلد الذي يشبك فيه الجراب .. ربط القارب في بوص الغاب وخرج من النهر .
وتحركت أرجل صياد السمك جنوبا .. استلقى الذراعان المتعبان جانبا وتحركت القدمان .. يمَّم وجهه للبنت ومشى ، فى المسافة التى بين الطريق والحلفا النابت واليراع الذى يحْضُن ما النهر .. والقصة نفس القصة .. النهر على اليمين والبنت على الشمال .. والبنت سائرة فى طريقها لاتعبأ بالحركة ولا بالسكون .. لا بالهسيس ولا بالحفيف .. البنت تجتاز الدغل بلا عيون .. أرجلها تعرف وحدها الطريق .. والبنت وحدها فوق الطريق .. تقطع خط ضوء مارق من بعيد .. تدخل فى الظلام .. تجتازه إلى ضوء آحر ، وعند كل خط ضوء كانت البنت مستورة وكان الوجود مفضوحاً .. يتحرك الوجود .. يتلصص على البنت من الخلف .. من قفاها .. يحاول أن يخترق الثياب يعجز .. ينحدر النظر إلى قدميها .. كعب البنت يحكى عن أشياء كثيرة تعلوه .. وحركة الردفين تحت الثياب نغم تتردد على نبرته الحكايا.
وسبب الحكايا ضوء .. وستر البنات عن الضوء واجب .. ما دام وجه الوجود بصاص .. وما دامت البنت تغوى على الفضائح .. وأصل الفضائح بنت .. البنت التى خلقها رب الكون من ضلع أعوج أصبحت بقدرة كل صياد محترف مخلوقة من نن عين الوجود !.
البنت التى خلقها رب الكون من ضلع أعوج ماشية فى الطريق وسط الظلام مثل الشهاب المستقيم، تلتوى إذ الطريق تلتوى .. السكة تتلتوى لكن البنت فى الأصل ماشية فى الطريق مستقيمة .. والخط قد يستقيم لكنما آدم على جنب الطريق من الشرق يتلوى ، وآدم على جنب الطريق من الغرب ــ أيضا ــ يتلوى .. وآدم الغربى وآدم الشرقى هما الاثنان وقعتهم مثل لحظة الخلق الأولى: طين فى طين .
صياد السمك وقع .. الرجل المقرفصة فى المركب لما تمشى لا بد تلتوى .. والأرض كلها مطبات . والعين كليلة فى الظلام .. والعين كليلة لما تحب البنت؟ .. وقع .. جلد ركبته انسلخ .. آآه .. سمع الآهة صياد الوحوش .. بص .. لمحه .. كوم لحم يحاول الوقوف .. شبح .. إنس أم جن؟
ــ مين ؟!..
الشرقى راح للغربى . وقف على بعد خطوتين .. خنجره فى وسطه .. والبندقية فى اليد الشمال .. والنبلة فى الكتف اليمين والسبابة على الزناد و ... :
ــ مين إنت؟.. تكلم ..
ــ صياد سمك .
ـــ ورينى الأمارة .
ـــ الشبك والمراكب .
ــ فين .
ــ الضلمة حيشاهم .
ــ وحيشاك إنت كمان .. ارفع إديك لفوق .
رفع يدا واحدة .. والثانية حاولت سحب المسدس من جرابه .. صياد الوحوش وَحْش .. رمى عود كبريت والعاً .. ولَّع .. رأى المسدس فى يد صياد السمك .. اللعبة خفة يد .. وخفة اليد مطلوبة فى الصياد و " صدنى أو أصيدك " .. والشاطر هو الذى يعجل بالهجوم .. والهجمة كانت من الماسورة الطويلة .. صياد الوحوش يغلب .. والبنادق معقود على نواصيها الرزق .. وطااخ .. مات ... نفض جسمه نفضتين .. وطبَّ ساكتاً .. تكوم جسمه فى الحلفا .. خش صياد الوحوش عليه .. بصق على وجهه .. التقط المسدس الواقع جنبه .
والذئاب لها رزق .. ورزق الكل على الرزاق مضمون .. وخُشّ على البنت يا أبو الوحوش .. سبع الليالى أنا .. وأنا السبع وحدي .. والبنت ماشية .. حتى طلقة الماسورة لم تـنبهها .. البنت ماشيه زى الطلقة للأمام وبس .. والطلقة دَوَّت فى الدغل كله .. ما خافت ولا وقفت .. ولا حتى بصت .. البنت دى مش بنت . البنت دى جن مرصود !.. والطلقة صَحَّت كلاب الليل ونبهت الديابة .. والطريق مش أمان .. والصقعة بتشل الإدين والدنيا ضلمة .. والرزق قدام بيتحرك .. البنت لازم توقف .. وكفاية لفح البرد وحرق دم .. كفاية .. لازم توقف .. المسافة طالت .. وطالت .. والرجعة هتكون صعيبة .. والفجر هيشقشق علينا ف الطريق . والصبح فضَّاح زى الحريم .. والنجم فوق بيترقص ،ونص الليل الأولانى راح .. دخلنا ع النص الأخير.. والنص الأخير ما فهوش عقل .. وأنا عقلى طار .. أنا هامشى ف نص الطريق .. هانده ندهتين .. وهأرمح .. هامسكها وزى ما يكون يكون .
ـ يا بنت .
رمح .. البنت ماشة لم تلتفت :
ـ الله يخرب بيت الحريم .. يا بنت .
استعجل .. مسك المسدس .. طاااخ .. طاااخ .. طلقتان في الهواء .. لم تلتفت .. المسافة بينه وبينها قصَّرت .. قرَّب .. لمح خدها .. مليانة لحم .. مفرودة ومنصوبة .. النسمة نسمة ، والموجة موجة ، والبنت بنت .. ماشية البنت وهى بتحرك الوسط .. يرقص يمين وشمال .. والبنت ماشية للأمام غنيوة سلام .. والموجة دافية، والنسمة هايفة، والبنت هايفة وملمومة ومضمومة ودافية وزى نسمة ليل .. وضمة البنت غنيوة تانية فيها الشفا .. والقلب مجروح .. والبنت عايزة الضَّم ، ولما البنات تمشي من غير ضمّ تبقى أحضان الرجال خرايب .. تشرد بنات الحور .. والبنت دي شاردة ينقصها ضَمّ .. وطاااخ .. طاااخ .. طلقتين تاني في الهوا .. دي مش بنت .. دي جنيَّة !.
والبنت لما الطريق إلتوت إلتوت .. العطفة كانت يمين .. وصياد الوحوش وَحْش فارد جسمه للريح .. رامح .. عطف يمينا .. قرَّب على البنت .. قرَّب .. قرَّب .. قلبه قلب حصان .. يدق دق الطبل .. و "الرِّجل تدبِّ مطرح ما تحب " ، وهو حَبّ البنت .. والرِّجل دِبِّ دِبِّ .. و .. دَبَّ الرَّجلُ على الحصى : تك .. تك .. و .. تك .. مدَّ يده للقفا .. شدَّ الطرحة .. طلعت في يده .. تركت رأس البنت والتفت على يده .. شمَّها .. دفن رأسه فيها:
ـ عنبر .. مسك .. ريجة حريم .. يارب ياللي خلقت النسا منى .. البحر بحري والعطش مني .. من ضلع أعوج دي ولا من نني ؟!. وها .. ها .. ها .. هه.. وقف والبنت ماشية لم تقف .. عفريت شق الأرض وطلع .. مسك صياد الوحوش من قفاه .. حَضَّن بذراعيه على جنبيه .. مسك المسدس والنبلة والخنجر والبندقية والذراعين .. الوحش بات مأسور!
.. شمال .. يمين .. يتحرك .. حاول .. لكن الوقفة هى الوقفة .. المستحيل ملفوف حواليه . خطوة واحده لم تكن .. حاول يخلص ذراعاً واحداً .. يداً .. إصبعا .. لم يستطع . ثَبُتَ .. رصد .. حاول أن يتعرف على الجن الذى ثبته .. الجن الذى فاجأة من الخلف .. إنس أم جن ؟! .. وحش أم بني آدم؟.. من؟ .. لم يواجه غير الصمت والرصد والثبات والمستحيل الملفوف حواليه، والنَّفَس الحار الذى يلفح رقبته من الخلف .. النفس قرَّب .. قرَّب .. التفّ حول الرقبة إلى الأمام قليلا و.. هوب .. مسك .. مسك عرقين جنب بعض فى جنب الرقبة اليمين .. شدها بأسنان كالإبر .. وأربعة أنياب انغرست فى اللحم إلى الداخل و... الدم سال .. ومص مصاص الدماء .. مص ..مص .. مص .. والنفس ساخن غير مساره .. دار من اليمين للشمال .. كرر نفس الفعلة .. مص .. مص . مص .. لما شبع دم شد اللحم .. خَلَّص لنفسه هُبرة على قد فمه .. انتفض أبوالسباع صياد الوحوش نفضتين .. ثلاث . وهمد .. لما همد رماه مصاص الدماء على جنب الطريق .. والطريق طويل والدنيا ظلام .. ونظر إلى الأمام .. لم تكن البنت بعيدة عنه :
البنت لوحدها .. وصياد السمك لوحده .. يـبقى البنت لصياد السمك وحده .. صياد الوحوش وَحْش .. والوحش غبي.. ال"بنى آدم " أذكى بكثير .. والعقل وحده هو اللي يغلب .. والصبر صبَّار لكن آخرة الصبر الفرج .. وأنا .. السمكة اللى ف جوف البحر أجيبها .. بالصبر تيجي .. تتجرر لحد الشبك .. واللى يشد الشبك بشويش ويصبر ينول حورية البحر .. والبحر زى الليل كله أسرار وضلام وأنفاس .. وحورية الليل لساها ع الطريق ماشية وفاردة ولا هي هنا .. شدة واحدة وهتيجي .. وشوية صبر، وخطوتين لقدام وتكون من نصيبي .. الغبي .. ظن إنى مت .. ها .. ها .. ها .. ظن أنه موتني .. طلقة البندقية خشت فى الحلفا تحت رجلي .. وقعت .. وقع صياد الوحوش .. اكتفى بالمسدس ومشى .. البنت دى مش وحش .. مش غزال .. الغزال يخاف من وحوش الليل يندس بين الشجر .. يجفل من الوحوش .. يجرى .. البنت دى حورية .. حورية ليل نازلة لأول مرة ع الطريق .. نازلة م النجوم ملفوفة بسرها .
والدغل لا ينتهى .. والطريق طويل .. طويل .. ملفح بأنفاس حرشاء ، والتلصص وحده سيد الحراش .. والكائنات تطلق غبار أنفاسها والنهر ساج يستقبل هذا الغبار .. يعجنه فى بطنه .. يرميه على الضفتين والضفتان بوص غاب وحلفا وعشب .. وفى العشب كان " حنش " .. والحنش جوعان .. مص دم الورل .. والورل مات . كمش لفروجة البحر جنب الماء بالضبط .. راحت المسكينة تشرب .. شرب هو دمها .. وآخر وجبة كانت بيضة التمساح . فتح فكيه على قدها .. بلعها .. وضغط .. ضغط .. ضغــ .. شرب محها كله .. والحنش راقد الآن فى العشب جوعان .. والجوع كافر .. والكفر هو الكفر والجوع هو الجوع .. لكنما .. لما يدخل الكفر على الجوع أو يدخل الجوع على الكفر يبقى الحنش لازم يمص دم صياد السمك ، و ... تفْضَل البنت


وحدها تسير فى هذى الطريق


[overline]
( تمت )

في
12 /12 / 1996 م
[/overline]


نُشِرت هذه القصة بمجلة القصة الصادرة عن نادي القصة بمصر في عددها رقم 103 الصادر في مارس 2001 م .




رد مع اقتباس